Wednesday, January 31, 2007


الفنان صدرالدين أمين
لوحتي تحتاج الى عين طفل , أوعين ناقد محترف تختصر المسافة بين الفنان والمتلقي
حوار : عدنان حسين أحمد



اعتدتُ بين أوانٍ وآخر أن أحاور الفنان التشكيلى صدر الدين أمين، أو أن أحلّل جوانب من تجربته الفنية التى تنطوى على كمٍ كبير من التنوع والإختلاف، هذا التنوّع ناجم عن غنى لوحته، وثرائها، وعمقها المُستَمَد من عالمها البدئى الذى ينفّذه الفنان فى الأعم الأغلب بأسلوب بكتوغرافى أو ما يُعرف بالعربية بـ "الكتابة التصويرية" التى انبثقت عنها الكتابة المسمارية ذائعة الصيت فى العراق. يميل الخطاب البصرى الذى يخلقه صدر الدين أمين لمصلحة الرسوم الأولى التى كانت تزدان بالرموز والإشارات والشيفرات البكر، محفوفة بالمخلوقات الفطرية، وما يحيطها من حكايات وأساطير وقصص خرافية وطقوس وشعائر دينية تؤرشف للتاريخ البصرى البدئى الذى يتفاعل مع عالمنا المعاصر برؤاه وتقنياته الحديثة. ولا بد من الإشارة الى أن أبرز محفّزات هذا الحوار هو ظهور الشخصية "الشامانية" فى لوحة صدر الدين أمين، والتى اكتشفها، وحدد معالمها الأولى كل من الناقد التشكيلى خالد خضير والروائية المبدعة لطفية الدليمي. إن الشامانية بوصفها ديانة بدائية موجودة فى شمالى آسيا وأوروبا، وتتميز بالاعتقاد بوجود عالم محجوب، وغير مرئى هو عالم الآلهة والشياطين وأرواح السلف. وهذا العالم لا يستجيب، بحسب زعم الشامانيين، إلا للشامان، هذه الشخصية التى هى أقرب الى الكاهن أو رجل الدين الذى يستعمل السحر لمعالجة المرضي، ولكشف المخبّأ، وللسيطرة على الأحداث. وجدير ذكره أن فى أمريكا الشمالية دين مماثل للشامانية يتبعه الهنود الحمر على وجه الخصوص. و لأن صدر الدين أمين هندى أحمر بوجه من الوجوه، وشامان تشكيلي، فقد ارتأينا أن ننثر أمامه عدداً من الأسئلة التى تتعلق بالأرواحية أو ما يسمّى بحيوية المادة، هذا المذهب الذى يعتقد أتباعه بأن الروح أو النفس هى المبدأ الحيوى المنظّم للكون. كما التمسنا منه أن يبين لنا أوجه التشابه بين تجربته الفنية وتجربة الفنان الأمريكى كيث هارنغ، وأسئلة أخرى تتعلق بثيماته وتقنياته الحديثة. البعد الكرافيكي * ثمة بُعد غرافيكى فى أعمالك الفنية التى تعتمد فى إنجازها على أكثر من أسلوب فني، ففيها ما يوحى بأغلب أشكال الطباعة والحفر المتعارف عليهما، كما أنها لا تخلو من "الكرافيتي" أو الخربشة على الجدران، هذا الأسلوب الذى يذكرنا برسومات الأطفال، وخربشات المجانين والمختلين عقلياً، والناس الذين يتوفرون على ذاكرة بدئية كالتى يتوفر عليها الفنان صدر الدين أمين والذى يُعد بحق مرجعاً  في هذا الاتجاه ، هل لك ان تعزز لنا هذا النزوع البيئي ؟



 : صدرالدين  
 - أشكرك جدا لتركيزك الشديد على أعمالى ولملاحظتك الدقيقة باكتشافك البعد الكرافيكى  فى منجزى الذى أعتمد فيه على عدة أساليب وبتقنيات مختلفة، لكن يبقى الطابع الكرافيكى يضفى على الأعم الأغلب من أعمالى المبكرة منها والمنفذه منها اليوم ولهذا أسباب جمة، فأولى هذه الأسباب أن أسلوبى "البدائي" فى الرسم يتحتم على وضع لمسات غرافيكية فى الخط او اللون على حد سواء ولأن فن الغرافيك يعتمد بالأساس على الحفر أولاً والطباعة ثانياً، ولأن أولى رسومات الإنسان كانت عبارة عن أحفورات نفذت بواسطة إما أحجار مدببة أو عظام الحيوانات وطبع الكف المغموس بدماء الحيوانات التى يصيدها الانسان البدائى ثم يترك الآثار المعبرة على جدران الكهوف حيث بيت الانسان الاول، وقد انتبه الصينيون الى ذلك فاكتشفوا أولى الأساليب فى فن الكرافيك وهو الحفر على الحجر، وتطور الى الحفر على الخشب والزنك والحرير والخ، والسبب الثانى هو أن أولى الاعمال الفنية الأصلية تلك التى شاهدتها فى حياتى فى مدينة كركوك كانت أعمالا كرافيكية وكانت هذه الأعمال تحمل تواقيع فنانين محترفين مثل أعمال صديقى الرسام الكرافيكى البوهيمى المبدع يونس كلو العزاوى "مقيم فى ألمانيا حالياً""وهو شقيق الشاعر الكبير فاضل العزاوى الذى كان قد عاد من إيطاليا فى منتصف السبعينات وكان يدعونى الى بيتهم وهناك كنت أدهش أمام أعماله الكرافيكية المدهشة حقاً وبقى أثر تلك الدهشة الاولى فى ذاكرتى حتى اليوم. وهناك أيضا صديقى الفنان الكرافيكى الكبير مدحت محمد على "المقيم فى السويد حالياً" القادم بخبرته الكرافيكية من أسبانيا والذى وبسبب صلة القرابة بيننا كنت أشاهد أعماله الكرافيكية فى منزله، وكنت أراقبه كيف يرسم وكيف يحفر ويطبع أعماله التجريدية التعبيرية، وبقيت تلك اللوحات عالقة فى ذاكرتى حتى اليوم أيضاً، وفى بغداد شاهدت أول مرة أعمال الكرافيكى العالمى الكبير الفنان والمعلم رافع الناصرى الذى أعتبره أهم فنان كرافيكى ليس فى العراق وحده، بل فى شرق آسيا عموماً، وقد أثارتنى أعماله فى معرض شاهدته وأنا صغير السن وكان بعنوان "أدعية لبغداد" هناك لأول مرة شاهدت أعمالاً ملونة، وبعضها لم تكن كرافيكية، بل أكرليك على كانفاس، لكنه ببراعته يجعل المشاهد وكأنه يقف أمام لوحة كرافيكية، وهذا هو ما أقوم به أنا اليوم، أى الرسم بالأكرليك على الكانفاس بأسلوب كرافيكي، وهذا أصعب من الكرافيك التقليدى برأيى لأنه على أن أحفر بالفرشاة وأطبع بالألوان مموها على المشاهد بأن ما يراه عملاً كرافيكياً، وليس أكرليك على كانفاس، وهذا يحتاج الى خبرة ودراية وتأن وعمل دقيق كما أري. ولهذا تجد المسحة وتقنية الكرافيك فى أعمالي، وأود أن أذكر أن الناقد الأردنى محمد العامرى ذكر فى مقال له عن أسلوبى بأن أعمالى هى أعمال كرافيكية فى كل النواحي. وهو يعرف جيداً أنها أى تلك الأعمال التى شاهدها وقتها كانت عبارة عن ألوان غواش إضافة الى أحبار هندية على ورق. ومن أهم "المحطات الكرافيكية" فى حياتى تلك التى توقفت عندها طويلا وذلك فى الأردن وتحديداً فى مشغل الكرافيك فى دارة الفنون المشغل الذى كان يشرف عليه صديقى الفنان الكرافيكى المميز والمخلص للكرافيك سامر أسامة "يقيم فى نيوزيلندا حالياً" الذى علمنى الدرس الحقيقى الأول فى الحفر على الزنك ولكن بسبب سفرى الى أمريكا لم أتقن الحرفة جيداً، وخاصة لأن الكرافيك عمل صعب، وينجَز على شكل مراحل، وهذا يحتاج الى صبر وخبرة عالية، وهذا ما لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، لذلك تجد قلة من الفنانين يبرزون فى هذا المجال الابداعى من الفن، إضافة الى أسباب أخري، لكل هذه الأسباب التى ذكرتها لك وبسبب عشقى للفن الكرافيكى الذى لم أمارسه، ولم أنتج عملا حقيقياً يوما بشكله الاحترافى التقليدي. ولهذا وجدت طريقة أسميها "حيلة فنية" وهى الرسم على الكانفاس والورق وبالفرشاة والأقلام والأحبار بطريقة كرافيكية محترفة بحيث تخدع حتى عين الفنان الكرافيكى المحترف وهو يشاهد أعمالى وأصبح لى خلال التجربة والمران والوقت خبرة فى هذا المجال فلذلك أعرف كيف أرسم بالحفر على الخشب والزنك والطباعة الحريرية من دون اللجوء الى مواد الكرافيك من قطع الزنك أو الخشب والأحماض والأحبار الخاصة رسماً كرافيكياً خالصاً يحمل توقيع رسام غير كرافيكي.


 مخلوقات وحيوانات * أنجزت خلال عام 2005 العديد من اللوحات الفنية، وقد هيمنت مفردة "المخلوقات" على عناوين هذه اللوحات، غير أن هذه المخلوقات توقيتات محددة تشى ببعد زمانى مرة ومكانى مرة أخرى مثل "مخلوقات نهارية"، و"مخلوقات ليلية"، و"مخلوقات صباحية"، و"مخلوقات مسائية" وفى الجانب هناك إحالات إلى مدن وحواضر وصحارى معروفة فى العالم مثل "حيوانات نيو مكسيكو" و"رموز من الشرق"، و"طيور الصحراء" الخ، هل لك أن توّضح هذه الإحالات، وما هو دورها فى ترسيخ توجهاتك الفنية والفكرية فى آن معاً؟ -


 : صدرالدين 
هذا السؤال مهم جداً وملاحظة دقيقة ومهمة منك. نعم لقد أنجزت مجموعة كبيرة من الأعمال فى عام 2005 وقد عنونتها جميعاً بمخلوقات، وجاءت مخلوقاتى هذه المرة بشكل آخر كما ذكر بعض الذين شاهدوا سلسلة أعمالى الحديثة، وسبب هذا الاختلاف أو التغير أو النزوع أو الهيمنة كما تقول هو أننى اكتشفت عوالم وكائنات ومخلوقات أسطورية وبدائية جديدة هى ليست تلك التى كنت قد استلهمتها من تراثى الرافدينى العريق كما كنت من قبل، بل أننى اكتشفت هنا فى أمريكا حيث أعيش فيها حيث هنالك مناطق وولايات غير مأهولة بالسكان فى مناطق شاسعة منها مثل ولاية أريزونا ويوتا وكولورادو ونيومكسيكو حيث توجد الكثير من الرسومات والمحفورات على الأحجار رسمت من قبل فنانين مجهولين تعود هذه الرسومات الى مئات السنين، وقد بقيت كما هى ومعروضة فى الطبيعة على الأحجار وجدران الكهوف القديمة. وقد وجدت فى تلك الأجواء والرسومات البدائية والتى يطغى عليها الجانب الطفولى والبدائى والأسطورى والحكائى الديني، كما يبدو لي، ما أبحث عنه فى أمريكا بشكل غير متوقع. فأنا لم أتصور يوماً بوجود هكذا أعمال بدائية على أرض أمريكا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وجدت اكتشافاً مهماً غير مسبوق بالنسبة لي، ولم أشاهده من قبل وأقصد المتحجرات الحيوانية البحرية، ثم هياكل الديناصورات العملاقة وآلاف الهياكل لحيوانات وطيور أسطورية كانت تعيش فى أمريكا بيننا قبل ملايين السنين. وقد وجدت كل ذلك خلال زيارتى الأخيرة للمتحف الطبيعى فى العاصمة واشنطن ومن خلال تأملى لتلك الرسومات المنقوشة على الحجر فى تلك الولايات وتأملى للهياكل العظمية والمتحجرات فى المتحف اكتشفقت أشياءً ومفردات وأفكاراً ورؤى جديدة خاصة. وبعد أن بدأت أبحث فى المكتبات العامة عن كل ما يتعلق بتلك الأماكن ومعروضات المتحف وجدت ما أبحث عنه وهذا ما جعلنى أرسم سلسلة أعمال معنونة بـ "مخلوقات"، وحالياً أنا مستمر بذلك المشروع، وسأستمر لاحقاً، الى أن أجد نفسى بأنى استنفدت كلى ما عندي. وقد جاءت عناوين لوحاتى الجديدة كنتيجة حتمية لتلك الشواهد مثلاً الطيور الموجودة فى أريزونا الصحرواية ذات الطبيعة القاسية هى غيرها الموجودة فى بينسلفانيا مثلاً، والحيوانات الموجودة فى نيومكسيكو هى غيرها فى كولورادو مثلاً إلخ، هذا الاختلاف والتنوع سببه اختلاف عناوين لوحاتى من صحراوية إلى ليلية إلى نهارية الخ. فهناك مخلوقات لا تخرج إلا فى الليل. وهناك أخرى لا تخرج الا فى النهار، وهناك حيوانات تظهر فى الفجر فقط، وأخرى تظهر فى المساء فقط الخ. وهذه التوقيتات الزمانية تؤثر حتى على لون وحركة الكائن أو المخلوق، ولذلك يجد المشاهد هناك أعمال عنونتها بـ"مخلوقات خضراء" وأخرى حمراء الخ. وكذلك التوقيتات المكانية حيث صحارى نيفادا مثلاً هى غيرها صحارى نيو مكسيكو بحيث تؤثر على المفردة التى أضعها على اللوحة. فهناك بعض المفردات تشى أوتوماتيكياً بالمكان، فلوحة "حيوانات من نيومكسيكو" سمَّتها ابنتى الصغيرة اريتوزا حين دخلت مرسمى بعد انتهائى من تلك اللوحة. وما أن شاهدت المفردات فى اللوحة حتى قالت سمّ هذه اللوحة بهذا الأسم، وأنا سميتها لأننى كنت قد وضعت أشكالاً حيوانية تابعة لمنطقة نيومكسيكو. إن اكتشاف ابنتى لتلك اللوحة أثبت صحة ما أصبو إليه، وأفكر فيه. وهذا ما جعلك كناقد أن تكتشف أيضا بدقة الملاحظة نفسها التى اكتشفتها ابنتى على رغم من أنك تعيش فى قارة وهى فى أخري. وأعتقد بأن هذا هو أصل ورسالة الفن. لقد قلت فى حوار سابق أن لوحتى تحتاج الى عين غير كسولة ، إما عين طفل، أوعين ناقد محترف تختصران المسافة بين الفنان والمتلقي ، و هذه هي رسالة النقد عموما ، وانتصار لعمل الفنان 



 مع كيث هارنغ * ثمة تشابه كبير بين أجوائك الفنية، وأجواء الفنان الأمريكى كيث هارنغ الذى غادرنا الى العالم الآخر فى سن الثانية والثلاثين، آخذين بنظر الاعتبار أن أوجه التشابه تنحصر فى الأسلوب والمناخات الفنية العامة. كيف تفسّر هذا التشابه بين أعمالك الفنية ولوحات هارنغ الآتية: "البرازيل"، "امرأة مع سيجارة"، "الخنوّص يذهب للتسوّق"، وجدارايته المعروفة "مونت كارلو"، و"برشلونة" وغيرها من أعماله الفنية التى جاءت خلّواً من العنوان؟


: صدرالدين 
 - يعتبر هارينغ "1958 - 1990"، وهو من مواليد بينسلفانيا حيث أعيش، أحد أشهر الفنانين الأمريكيين فى القرن العشرين، ويلقب بفنان العقد الأخير. وهو أول فنان يُخرج الرسم من "الاندركرواند"، أى من أنفاق المترو الى سطح مدينة نيويورك. وقد اشتهر هذا الفنان بسبب رسوماته المثيرة التى كان يرسمها بواسطة الـ"سبراي" والطباشير و"الأويل ستيك" على الجدران وعلى إعلانات الـ" سَبْواي" لقطارت المترو. وتنقسم أعماله الى ثلاث مراحل: الأولى هى رسم المشاهد الجنسية الشاذة المثيرة الفاضحة بما يتعلق بالمثليين، فمن المعروف عن هارينغ انه كان شخصاً مثلياً، وشاذاً، وقد دفع حياته ثمنا لذلك السلوك الشاذ، فقد أصيب مبكراً بمرض الأيدز، ومات شاباً. المرحلة الثانية: هى مرحلة رسومات الكارتون والرسم الطفولي، وقد اشتهر برسم فيكر "Figure " "طفل يحبو" فى مئات اللوحات، وقد اتجه الى هذا الاسلوب عندما علم بانه مصاب بالايدز، وكرس جهوده لخدمة الأطفال والمؤسسات التى تهتم بالطفولة. أما المرحلة الأخيرة فهى مرحلة أسفاره وتأثره بفنون الفراعنة، حيث رسم فى تلك المرحلة أعمالاً كثيرة عن المومياوات والاهرام والأشكال الحيوانية الفرعونية مثل اله الموت الفرعونى أنوبيس، وبرسم جداريات ولوحات كبيرة الأحجام حشد فيها آلاف الاشكال، ولم يترك مساحة فى اللوحة إلا وشغلها بفيكر معين ومكرر فى عشرات اللوحات. فى أحدث موسوعة عن فنانى القرن العشرين ذكر اسم هارينغ، وذكر أنه قد تأثر واشتغل فى مناخات كل من الفنانين فازارلي، نيومان، مابليثورب باسكياه، إضافة الى تأثره برسومات الفراعنة ورسوم الكارتون. أما هارينغ نفسه فقد ذكر فى يومياته أنه قد تأثر بلوحة هيرونيمو بوش المعنونة بـ"حديقة المسرات الدنيوية" وذلك خلال زيارته لمتحف برادو فى أسبانيا وهو يقول: من خلال تلك اللوحة وجدت نفسي، أسوق هذه المقدمة كى تعرف، ويعلم القارئ أو المتتبع لأعمالى وتجربتى من أن هناك تشابهاً كبيراً بينى وبين هارينغ. وأنا أعتقد بأنه ومن خلال ما ذكرت، فإن فن وأفكار وشخصية هارينغ لا تجمعنى به أشياء وتشابهات كبيرة، بل أنه كان يفكر بطريقة هى عكس طريقة تفكيرى تماماً، فأنا أرسم بأسلوبى الخاص بي، وهو مزيج من رسوم الأطفال والأشكال الأسطورية، وبأسلوب تعبيرى تجريدى وضعه النقاد ضمن المدرسة البدائية فى حين أن أعمال هارينغ تندرج تحت الفن الكرافيتى حيث أنه يهتم بجانب الخط و"الآوت لاين" فقط مثل رسومات الكارتون بالضبط. إن أسلوبى فى الرسم بهذا الشكل قد بلغ من العمر عشرين عاماً، وأنا قد شاهدت أعمال هارينغ وعرفته قبل سبع سنوات فقط. ولم أسمع به يوماً وأنا فى العراق، إضافة الى أننى حتى اليوم لم أقرأ، أو بالأحرى لم يذكر اسم هارينغ فى أية مقالة باللغة العربية وبإمكانك أن تتأكد من ذلك من خلال البحث فى غوغول، وستكتشف أن هذا الفنان مجهول فى عالم الشرق الأوسط. وأعتقد ان كان ثمة تشابه بيننا فهذا التشابه ينحصر فقط فى تلك المرحلة التى تأثر فيها بالرسومات والتماثيل الفرعونية، إضافة الى أنه يجمعنا شيء آخر وهو استلهامنا لأعمال هيرونيوم بوش، وأنا قد ذكرت تأثرى ببوش فى حوار طويل قبل ست سنوات، وقبل أن أعرف أن هارينغ قد ذكر بأنه قد تأثر ببوش كما نشر تلك اليوميات بداية هذا العام فى مجلة "آرت نيوز" 
 الأمريكية المعروفة. الشخصية الشامانية 


 أكد الناقد خالد خضير على تجسيد الشخصية الشامانية ذات المرجعية البدئية الموغلة فى القدم فى أعمالك الفنية، والشامانيون كما هو معروف هم كهنة أو سحرة، أو خبراء روحانيون لديهم القدرة على معالجة المرضي، والتنبؤ، والتنجيم، وكشف المخبأ، والسيطرة على الأحداث، والتنقل بين العالمين العلوى والسفلي، وما الى ذلك من قوى خارقة. هل تؤكد وجود الشخصية الشامانية فى أعمالك الفنية كما يذهب الناقد خالد خضير، وهل تقر بوجود المذهب "الأرواحي" الذى يقول بأن لكل شيء فى الوجود روحاً أو نفساً، كالإنسان، والحيوان، والطير، والصخر، والشجر، والأسلاف. ونتيجة لهذه الخلاصة الروحية فإن لوحتك الفنية حافلة بهذا القاموس الأحيائى المكثف؟

 : صدرالدين 
- شخصياً أعتبر الناقد خالد خضير مفكراً بارزاً ومميزاً ومثابراً من الطراز الأول، فهو ناقد تشكيلى حداثى بامتياز، ولا يكتب أو يفكر بطريقة نقدية كلاسيكية وتقليدية كمن سبقوه من النقاد العراقيين. ومن خلال متابعتى لكتاباته النقدية وجدت أنه يكتب عن جميع الأجيال بروحية حسية واحدة، ويختار عينة من الفنانين ومن كل جيل ويكتب عنهم، ويتابعهم سواء أكانوا من الأحياء أو الأموات. مثلا هو يكتب عن شاكر حسن ال سعيد قبل موته وبعد موته ويكتشف، ويكشف لنا جوانب أخرى ربما فات حتى على شاكر حسن الفيلسوف، وهذا أهم ما فى النقد. وهو يتابع أيضا تجارب الفنانين الشباب وأهمية متابعته لتجاربهم تكمن فى أنه لا يختار فنانا تجريديا أو تعبيريا أو واقعيا، بل يختار المبدع والمميز من الفنانين حتى وإن لم يكونوا من المعروفين إضافة الى أن خالداً لا يكتب عن تجربة فنان ما مرة واحدة وينتهى الأمر، بل أنه حين يقرر أن يكتب عن فنان ما فهو يكتب عنه باستمرار، على الاقل مرة واحدة فى العام. هذه الاستمرارية فى الكتابة من أهم مهمات الناقد، ولذلك أنا أشبِّه الناقد الجيد والمميز مثل الطبيب الاختصاصي، فهو يشخِّص المرض، ويكتب للمريض العلاج، ويتابع حالة المريض كل ستة أشهر كى يعرف نتيجة تحليلاته وعلاجه، وذلك كى يعيش المريض طويلاً، وبشكل صحى تماماً وهذا هو حال الناقد والفنان كما أري. أعرف أن قائلاً سيقول من الفنانين: وهل الفنانين مرضي؟ أقول: نعم، إن كل الفنانين مرضى نفسيّين بشكل أو بآخر، وأى فنان خارج هذا التصنيف هو مجرد بائع أنتيكات. ونحن فى العراق نسمّيهم رسامين تجاريين، لذلك فأنا لم أستغرب اكتشاف خالد لشخصية الشامان فى أعمالى الأخيرة لأنه باحث مثابر فهو فى دراساته الثلاث التى كتبها عن تجربتى فى الأعوام الماضية لم يذكر شخصية الشامان، ولكن فى هذا العام وبعد أن شاهد أعمالى الجديدة كتب مقالاً حديثاً ذكر فيه شخصية الشامان أول مرة وهذا يعنى أن خالداً ناقد ذكى جداً، ويعرف كل صغيرة وكبيرة داخل اللوحة، وخاصة لوحاتى التى تزخر بآلاف الفيكرات دفعة وحدة، ويصعب على الناقد التقليدى اكتشاف شخصيات تلك الفيكرات. وأن الناقد فى مجال لوحتى يشبه الباحث عن حبيبات الذهب بتأن وصبر داخل أطنان من الرمال. وإضافة الى اكتشاف خالد خضير لشخصية الشامان فى أعمالى الأخيرة فقد نبهتنى الى ذلك الكاتبة الروائية المبدعة لطفية الدليمي، فهى ما أن شاهدت لوحاتى أول مرة حتى كتبت لي، ولقبتنى ولا زالت بلقب "الشامان الساحر صدرالدين" ولاحقاً كتبت عنى وعن تجربتى واحدة من أجمل النصوص ونشرتها فى مجلة "هلا"العراقية بثمانى صفحات ملونة، وهذا ما أسعدنى كثيراً جداً. أما كيف وجدت شخصية الشامان ووظفتها فى أعمالى فهى قصة طويلة والحديث عن الشامان طويل جدا اذ بامكانى أن اتحدث فى الموضوع باسهاب، ولكن سأحاول أن أختصر الموضوع بأقل العبارات، اذ أننى وجدت الشامان من خلال المصادفة البحتة فى أثناء مرورى اليومى بالمكتبة العامة حيث وجدت كتاب انثربولوجى يتحدث عن الشامان وهناك وجدت بعض طقوسهم ورسوماتهم وأدعيتهم وطلاسمهم. وقد أثارنى كل هذا ووجدت بأنى قريب منهم، وبدأت أبحث عن كل ما يتعلق بهم. فالشامان قبل كل شيء طبيب حاذق فى عالم الروح، والشامانية هى أقرب الى مذهب المتصوفة المسلمين الديني، وما زال بعض الشامانيين يعيشون فى ولاية أريزونا الأمريكية، وهم ما تبقى من قبائل الهنود الحمر، ولكن الأعم الأغلب منهم يعيشون فى أمريكا الجنوبية حتى اليوم. إنهم أشبه بدراويش الطرق القادرية والرفاعية والنقشبندية فى كوردستان العراق. إن طقوس الشامان هى نفسها طقوس دراويش العراق باختلاف بعض التفاصيل الصغيرة. وكل شامان حقيقى هو باحث عن نشيد سحري، وهذا النشيد السحرى لا يمكن أن يحصل عليه الشامان الا اذا توحَّد مع نفسه فى غابة عميقة، وهو عارٍ تماما كالحيوانات والطيور يأكل ويعيش حيواتهم، وبعد مدة أربعين يوماً اذا نجح سيصبح شامانا، ويكون شخصاً مباركاً، يشفى الأمراض، هذا اذا ما حصل على النشيد السحري، هذا النشيد الذى بإمكانه أن يحوِّل الطائر الى فحم كما يقولون. وهم يتصورون أن الطيور التى يراها المرء فى الحلم ليست طيوراً عادية، بل هى كائنات فوق طبيعية. وهذا بالنسبة لى اكتشاف مهم جداً لم أكن اشعر به من قبل، إضافة الى انهم يهتمون بالحيوانات والزواحف والحشرات والطيور اهتماما كبيراً، وهذا ما يجمعنى بهم. وهناك عنصران مهمان حيث أن لكل شامان شجرة، والشجرة تنبئه بموته وبقائه فى الحياة. وأنا وضعت تلك الاشجار فى الكثير من أعمالى إضافة الى عنصر الموسيقي. فالشامان يجب أن يكون مغنياً جيداً ليغنى أغانى صوفية، وأنا وجدت هذا الموضوع قبل اكتشافى للشامان، فقد وضعت موسيقى وغناءً صوفياً قبل سنوات طوال على خلفية الويب سايت الخاص بأعمالي، وحتى أن الكثيرين كانوا ولا يزالون، يسألوننى عن مصدر تلك الموسيقى الصوفية. فى حضارة الشامان البدائية يعتبر الشامان طبيباً وكاهناً وفيلسوفاً وموسيقياً وفناناً بارعاً. والشامان مطلِّع على أسرار ما وراء الطبيعة. وهم مستمرون فى البحث عن معنى ومغزى الوجود فى تطور الروح. إنهم حقيقة كائنات "أرواحية" بحسب تعبيرك وأنا حقيقة اكتشفت كلمة ارواحية منك، وهذا شيء أشكرك عليه، وجوهر فلسفة الشامان هو الروح وهم يعتقددون أن لكل شيء فى الطبيعة روحا، أو جماداً، أو نباتاً، أو حيواناً الخ. نعم، الروح كل شيء، فبوسع الروح أن تضحك وتسعد وتتغني، وبوسعها أن تحزن وتبكى وتندب وتنتحب، وفى أسوأ حالاتها تضيع. ومتى ما ضاع الروح ضاع كل شيء. أشعر بأنى كائن روحاني، وهذا يعنى بأننى مؤمن بمذهب الشامان الأرواحى  ، ، البدائي لذلك تصح مقولة لطفية الدليمي حقيقة حينما تلقبني بالشامان الساحر صدرالدين




  العالم البدئي * ماذا يعني لك العالم البدئي بعلاماته و اشاراته و شيفراته و أيقوناته
 وهل ستظل متشبثا بالبكتوغرافي كاسلوب لتنفيذ لوحتك الفنية . وهل ان الوحدات الصغرى التي يحتشد بها عملك الفني تعتمد في اجتراحها على التلقائية اللامفكر فيها ، و المصادفة العابرة ، أم انها نتيجة للبحث المضن ، و التأمل الدقيق الفاعل الذي افضى


 : صدرالدين
 هذا العالم البدئي الذي صنعته بيدي باشارات ما ورائية معتمدا على خيالي الابتكاري وعقلي الباطني يتجلى لخيالي الجواني العميق لإبتكار و خلق صور مرئية أو اشارية ناطقة بالحياة من خلال الخطوط والالوان التي قادتني الى ان اعثر على على النصف الآخر من حلمي بخلق وطن افتراضي ينتشلني من عالمنا الواقع الذي يمر اليوم في واحدة من اسوأ فترات التأريخ البشري حيث صار عدو الإنسان نفسه بعد ان كان عدوه الحيوان فقط يوم لم يكن الانسان يخاف شبيهه الإنسان ، وكان يروض حتى الحيوان المفترس نفسه ، أما اليوم فصار الانسان حيوانا للاسف ، أقول كل هذا بسبب القيامة التراجيدية على ارض وادي الرافدين ، صدقني يا عدنان كلما قرأت أو سمعت   بأنه قد عثر على على مجموعة أخرى من الرؤوس البشرية العراقية المقطوعة على نهر دجلة او في أماكن متفرقة من العراق أشعر بمرارة و ألم حاد في كل أنحاء جسدي . و لاحقا يتحول هذا الألم الى غضب عارم ، وثم يتحول غضبي الى خجل ، نعم الخجل من انتمائي الى الإنسان العراقي الذي يقطع رأس أخيه الإنسان بدوافع لا أجد لها تبريرا اطلاقا الا  تبرير وحيد ، وهو القتل الغريزي الحيواني فقط. هذا هو الشعور المدمر الذي ينتابني ويجعلني أشعر بالخجل لإنتمائي الى الإنسان الذي يفترض أن يكون أرقى المخلوقات ، و لكن ما نراه في أرض الواقع هو عكس ذلك تماما . لهذا وجدت نفسي مبكرا أرفض هذا الواقع الحيواني الافتراسي ، و قد قررت أن أبني لنفسي و ربما لآخرين يشاركونني شعوري عالما خياليا ، و لنسمه وطنا افتراضيا أبنيه حجرة حجرة و بمشيئتي حيث الخالق و المخلوق هو الفنان نفسه ، هذا العالم هو العالم الذي يدعوني الى مزيد من الجمال و الآمال و الأحلام المدهشة ، وبكل ما فيه من علامات و اشارات و شيفرات و أيقونات تعيش و تنمو و تكبر على سطح لوحتي او و طني الإفتراضي ، هذا الوطن الذي كشف لي ان وطن الفنان لوحته و لوحته وطنه . و لا ادري حتى اللحظة الى أين تقودني لوحتي البكتوغرافية  ؟ هل ستوقفني محطة اسلوبية ما يوما قريبا ، أم سأظل في أرض الصناع السحرة . وهذا لايعني بأني لا أفكر وحتى في أثناء الرسم بأسلوبي الحالي بالتفكير الى ابتكار أسلوب آخر و مفردات أخرى و عالم آخر ، ان ما يجده المشاهد من وحدات صغرى محتشدة بكثافة عالية  على لوحتي ، ومن مفردات لا أعتمد  فيها على التلقائية أو من دون تفكير مسبق ، و نادرا ما تظهر بشكل عفوي أو مصادفة عابرة ، بل هي بالتأكيد نتاج بحث مضن طويل و تأمل في كل موجودات الطبيعة ، الطبيعة التي وهبتنا كل شيء ، و أنا أنهل منها دوما و مصدري الثر حيث أقضي أوقاتا  في الغابات متأملا الاشجار العملاقة والأعشاب و الحيوانات والحشرات الصغيرة  والمتنوعة الأشكال و الألوان ، كل هذه المفردات تشكل عالمي الداخلي ، وهو عالم مزيج من الواقع و الخيال و غير منحاز الى الواقع الصرف افسره تفسيرا عقلانيا ذا بعد خرافي خيالي يأخذنا بعيدا الى جذورنا و وجودنا ، حيث مخلوقاتي التي يختلط فيها الحلم بالواقع ، فلا هي حلمية ولا هي واقعية ، حيث بامكان المرء اختيار الجانب الذي يمثله بحرية ، وهذا كله يجعل لوحتي مهضمومة ومقبولة لدى شرائح مختلفة من اطفال و شباب و شيوخ ، و من كتاب و شعراء و موسيقيين يشكرونني دوما لأنني خلقت لهم عالما باهرا مشحونا بالصور الغريبة الحلمية ، عالم غرائبي مفتوح على جميع جهات الأرض أساسه سحر و براءة و طفولة ونقاء و جمال من نوع نادر، انها فنطازيا طفولية حميمة ، و نافذة مشرعة داخل روح الإنسان في عالمنا الموحش هذا
http://www.alarab.co.uk/Previouspages/2006/10/10-05/p07.PDF

0 Comments:

Post a Comment

<< Home