Monday, January 14, 2008

الكاتب محسن الذهبي

صدر الدين أمين يحفر في ذاكرة الطفولة لتهشيم الواقع
كائنات أسطورية تراوغ فضاء اللوحة
محسن الذهبي
لندن
قد يقف احدنا مشدوها امام اي عمل فني يراه في محاولة لفك اسرارة والاحاطة بكينونته لكنه امام لوحات الفنان العراقي (صدر الدين امين ) وبلغتةالاسطورية المغايرة واللاتقليدية لن يتمكن من اختراق كل الاحاجي التي يلقي بها الفنان في طريقة فيبقي في باب التأمل، تتصارع في داخله الالوان الحادة ودفق مشاعر متنافضه عن هذا الغموض. وماورائية كل تلك الحكايات والاساطير والافكار التي استقرت في ذاكرتنا من ثقافة مجتمعات قديمة ، وتلك الكائنات الاسطورية والبدائية المراوغة مرتفعة الي اعلي مراتب مما في الذاكرة حد احاطتها بمظاهر قدسية وادعة وقوة مخفيية بحكم تجاوزها وتفاعلها مع ثقافة انسانية غير مؤطرة بمحلية ما بل تتسع لكل الثقافات عبر سياقات شتي تحتفي بالغيب والعجب .. بالمقدس والمجهول ، مختزلا ما قدمتة تقافة كل تلك الشعوب من تصورات اتخذت اشكالا اسطورية ، تتشابه وتنسجم مع بعضها الي حد بعيد رغم التباعد الجغرافي والمثيولوجي ، وكأنها كلها تتحدث عن فعل مسحور وذاكرة طفولية واحدة .فالرمز عند الفنان ليس نقلا للمشاعر والافكار عن طريق الدلالة الوضعية المحددة كشكل حيواني او طير ما لكنها تتجه الي الايحاء بالمعني العام ، فالرمز هنا له قيمة المتعة الذاتية بغض النظر عن الاهمية الاجتماعية مجسدا ذلك بهجة الحياة الطفولية والبدائية وفرحها مقابل الخطر والخوف الذي نواجهه في الحياة اليومية، وكما يوضح ذلك ( سيجموند فرويد ) بكتابه قلق في الحضارة فيقول (ان التخلي عن هذه الحضارة للعودة الي الحالة البدائية سيكفل لنا قدرا من السعادة اكبر بكثير ) . اشارات الاستفهامان حالة تشضي الأنا الي ( أنات ) شارده لاشكال محدده ولكائنات قائمة بذاتها معزولة عن المحيط المعاش والعوامل الاخري التي جاءت في سياقها ليقدمها الفنان تجسيدا لثنائية مكتمله استغلها افضل استغلال في طرح اسئلة مغلقة او مجموعة من اشارات الاستفهام عبر استحضار قوي غرائبية بعيدة عن الواقع وقريبة من الذاكرة الجمعية في ذات الوقت ولخلق اسطره خاصه بالفنان تميز عمله الفني عبر تفرد مقصود علي صعيد الشكل و الاسلوب ، لبناء اسطورته الخاصه به عبر الحفر العميق و المتواصل في اعماق ذاكرته الطفولية والتي تابي ان تكبر. ليكشف لنا عن طبيعة التراكم المعرفي الذي تشع منه تلك الانساق الابداعية ونعكاساتها في اعماله الفنيةالتي تشع بروح المغامرة والابتكار والتجديد ولتساهم في اذكاء شعلة الحداثة ، لتجعله من الاسماء القليلة الباحثة عن التفرد والاستقلالية وسط طوفان الاسماء الجديدة التي لا تخرج أغلبها عن احد التيارات السائده فنيا ان اهم ما يميز اعمال الفنان (صدر الدين امين ) هو ذلك التكرارالذي يتجاوز الوضيفة التاكيدية ليصبح تقنية جمالية تختلف درجتها وطرقها ، اذ نجدها تتلون وتتغير مع الشكل ذاته معبره في كل مرة عن مسوح مختلفة مما يثير غريزة التساؤل عن السر في هذا التكرار مما يجعلنا نقترح تأويلات مناسبة لكل عمل قريبة او بعيدة.فهذا التكرر لا تحدده حركة الفعل كما يتكرر الواقع ، فجماليات الغاية تبرر ذلك لعل اهمها ما يحدث اثره لدي المتلقي . فهذه التقنية تسهم في اعادة التكوين الداخلي لسلطة الخيال متبنية افق التجاوز المستمر الي البحث عن اجواء اوسع في ذات السياق ، فالذاكرة لدي الفنان ليست تاريخية تراكمية بل هي تاريخ افقي متجزيء ومتجذر في ذات الوقت مما منحة فرصة اللعب المفتوح الافق وغير المنظم او المنضبط بمنهجية محددة مما يساعد في احدث التراكم الضاغط والمعبر عن تأثير كل تلك المراحل والاحداث ، في ملاعب مفتوحة لزمن لا يمكن حصره فالماضي فعلا موجبا لما يؤدية من حركية ديناميكية تجعل المتلقي في حالة ترقب وبحث عن المستتر في عمق سرد العمل الفني . ثيمة عمق الروحان الاشكال البدائية في اعمال الفنان (صدر الدين امين ) ليست اشكال مجردة يستخدمها كما اتفق كما انها ليست ذوات مسكونه بمعني محدد ، بل ان الثيمة لدية تسكن في عمق روح كل عمل علي انفراد لتشكل نصا دلالي يتشح بالغموض وموشي بنوع من الالتباس المفضي الي تعمية مقصودة ، فمعاني النص ليست ظاهر تجسيدي لسطوح مميزه وحسب بل هي مجموعة حشود من الابعاد المتداخله بعضها ببعض يطفح بها سطح اللوحة فيما يظل البعض الاخر رابضا في العمق مستترا يستعصي علي الامساك وينتظر الكشف . وتأسيسا علي ذلك، تصبح قراءة النص التشكيلي للفنان بالاستناد الي منهج معين او نظرية محددة مسقطه عليه من الخارج امرا معاكسا ،لانها في هذه الحالة ستمارس علي النص نوعا من الاقصاء،ان مانحتاجة لقراءة اعمال الفنان واشكاله الطافية والاخري الرابضة في العمق المستتر هي الشاعرية التي تنفذ لدواخل اللوحة ورصد محركات توالد الثيم في تطور اعمال الفنان ، فكل عمل له كيان بذاته لكنه لا يبتعد عن اسلوبية الفنان ورؤيته بل تتوالد اعماله بعضا من بعض من خلال عناصر تشكيلية متوالد مستنده علي اشكال بصرية ذات مضمون واضح المعالم
***
جريدة (الزمان) الدولية - العدد 2887 - التاريخ 10/1/2008
نص المقال في جريدة الزمان