Tuesday, March 31, 2009

رحلة الى الينابيع
الفنان صدرالدين أمين

رحلة الى الينابيع الأولى وصولا الى الفن غير المؤدلج

سلام دواي - أستراليا

العودة الى الينابيع , وصولا الى رعشة الفنان الرافديني الأول وهو يخط طلاسمه و رؤاه المشوشة ناقلا دهشته وخوفه على جدران الكهوف ....هو ذا ما ينجذب اليه الفنان ( صدرالدين أمين ) مدفوعا ببراعة فياضة , وبثفافة فنية ترتكزعلى تهميش القوالب الأكاديمية , لصالح وعي السليقة أو عفوية الوعي المتدفقة باخلاص كبير و حس فني مرهف , بقيمة الفن كصلة عاطفية وفكرية وليست هندسية ميكانيكية صماء , بين الفنان و موروثه الحضاري .

مرة قال الفنان الكبير ( جواد سليم ) حين سأله احدهم عن القديم والحديث ( لكي يرسم الرسام لوحة حديثة عليه ان يتمثل القديم كله .... وما ذلك القديم الا دنيا قائمة ) ... ولكن جواد سليم كان ابن مرحلة اخرى مختلفة .. فكان فهمه وتمثله للقديم يصب في الواقع السائد الذي كان في بداية انفتاحه على الغرب , وعلى الأفكار الثورية الجديدة في الرسم .

أما زمن صدرالدين أمين فهو زمن الفن غير المؤدلج ... فنا لايضع أو يضيع نفسه في اية قوالب من شأنها ان تفسد الاتصال العاطفي , فهو يدرك بأن القوالب توابيت التجربة ... تلك التجربة التي يجب ان تبقى متمردة , على كل ما من شأنه أن يجعل الفن محددا بأسس أكاديمية صارمة أو أسيرا للايدلوجيا العمياء التي تجعل الفن لايشي بتلك العاطفة الجمالية والتي تعتبرهي الصلة الأساسية بينه وبين المتلقي ... وبهذا المعنى فأن الفنان صدرالدين أمين دائب البحث عن هذه الصلة وذلك من خلال اصراره على توفير مناخ حميمي , من أكثر مفرداته هيمنة على الملمس هي تلك الأواصر المتماهية بين فن وادي الرافدين القديم والميثولوجيا الشعبية بأعتبارها الأمتداد الحقيقي لذلك الفن والهوية الحقيقية للفن العراقي الأصيل والتي يراهن عليها الفنان متحديا المفاهيم النقدية الجاهزة والمقولبة .

ان المتتبع لتجارب الفنان صدرالدين امين يستطيع أن يتلمس قدرته على انشاء سطوح حملت على متون حكائية أسطورية , لاتتوانى عن الأفصاح الممتع عن مكنوناتها القادمة من عمق الأزمنة , والمتزامنة في الوقت نفسه مع ما أنتجته الثقافة الشعبية من فنون اعتمادا على تراث وادي الرافدين الهائل والخالد وتفرعاته عبر مسيرتها الطويلة متمثلة لكل ما رافق هذه المسيرة من انعطافات وتغيرات بيئية وفكرية ... هذا أضافة الى قدرته على صنع ملمسا مدهشا ومباغتا من خلال أعتنائه باللون والتعامل معه الى حد جعله ( اللون ) كطرف أساسي في التكوين , وهذا اعطى لأعماله بحسب زعمي خصيصتين أساسيتين مهمتين , هما خاصية المضمون الذي يحمل كما اسلفنا متنا حكائيا أسطوريا مكتنزا بالرموز والشفرات والدلالات والعلامات الضاربة في عمق حضارة وادي الرافدين .. وخاصية الملمس الذي يشي بعاطفة جمالية لايمكن تجاوزها , او اغفالها , وهاتين الخصيصتين منحتا اعماله بصمة وهوية فنية مميزة.
وهذا برأيى , ورأي الكثيرين من النقاد نجاحا مهما أخذ يعطي ثماره على شكل معروضات في قاعات ومتاحف مهمة في أوربا وأنكلترا وأمريكا , اضافة الى فوزه بالعديد من الجوائز.

*****
نشرت في جريدة ايلاف الالكترونية بتاريخ
الاربعاء 10 ديسمبر 2003

Saturday, March 21, 2009


المغايرة الأسلوبية لدى الفنان التشكيلي صدر الدين أمين


المدى - بشار عليوي
أخذت التقنية الرقمية مجالها الرحب في التطبيق في مجمل استخداماتها الخدمية مسقطة بذلك الافتراضات المكانية والزمنية عبر اختزالهما، فتقاربت المسافات وأصبح العالم برمته حاملاً توصيف القرية الصغيرة بفعل تأثير الانترنيت واستخداماته اللامتناهية في مجمل مناحي الحياة، ومن ضمن ما اخترقته هذه الرقمية، المشهد الثقافي الإنساني بكلياته وأول المتأثرين بها، الفنون بفروعها المختلفة. لذا تجد أن الساحة النقدية الثقافية متخمة بالمصطلحات الجديدة منها الصحافة الرقمية والمسرح الرقمي والرواية الرقمية والقصيدة الرقمية واللوحة الرقمية، وبرغم ما أشكل فيما أتفق عليه من وجود حتمي لمفهوم الرقمية بات مكرساً في الحياة الثقافية، نجد أن بعض الفنانين وخصوصاً التشكيليين منهم، قد عمد الى التعاطي مع هذه الرقمية بشكل مغاير لمجايليه من المشتغلين في الفن التشكيلي وخصوصاً الرسم.من هنا تنفتح مقاربتنا التوصيفية هذه على تجربة جديدة في التعامل مع التقنية الرقمية، الا وهي تجربة الفنان التشكيلي (صدر الدين أمين)، حيث حرص هذا الفنان، الذي يصفه النقاد بـ الفنان البدائي نسبة الى نزوعه البدائي الشخصي في تقنية إنتاجه لوحاته، على أقامة معارضه الفنية عبر البريد الإلكتروني بغية عرض لوحاته متجاوزاً في الوقت ذاته، عبء القاعات الفنية وتقاليدها التي لا تتواءم مع الموجهات الفكرية لفنان بدائي مثله.تقوم التجربة الخاصة بهذا الفنان، ومن خلال هذه الصيغة بإرسال لوحاته وعبر البريد الإلكتروني وتوزيعها على أصدقائه ومريديه، ففي معرضه الإلكتروني الأخير وزع أكثر من 40 لوحة مرفقة برسائل شخصية منه الى متلقيه، مملوءة بالسخرية والتهكم التي لا تستثني أحداً بمن فيهم الفنان نفسه.أن الذي يثير الانتباه ومما يمكن ملاحظته في تجربة هذا الفنان، هو روحه الفنية المغلفة بالتوجهات البدائية عبر اشتمال لوحاته على هذا الأسلوب الخاص به وهو بذلك يعلن وجود اللاتواصلية بينه وبين الواقع الراهن المعاش عبر تبنيه الأسلوب البدائي الحامل لزمنه الافتراضي في الرسم مستخدماً الكتابة الصورية والخطوط المشتقة من بدائية المضمون داخل جسم اللوحة، ماكثاً في الزمان/ المكان الافتراضي.وأنت تشاهد لوحة (صدر الدين أمين) تجد أن جميع عناصر الدهشة فيها، وهي المتأتية من رؤيته العالم بكونه عالماً مجنوناً حسب وصف الفنان له وهو بذلك يتحرر من كل عوامل التقيد التي تحجم حرية الفنان في أيجاد مساحة كافية للطيران في عوالم الانعتاق من أثار الهشيم الذي تغلف به العالم المحيط بالفنان، ولأنه قد أرسل لوحاته الى عدد كبير من الفنانين والمثقفين العراقيين والعرب، فأنه قد حفز الكثير منهم على الكتابة عن تجربته ووضعها داخل مرآة النقد بوصفها تجربة تبغي الانعتاق والتحرر والعودة للجذور الأولى في الرسم باستخدام أهم مظهر من مظاهر التطور العلمي والمتمثل بالتقنية الرقمية.في لوحة الفنان التشكيلي (صدر الدين أمين)، هناك امتلاء كامل لسطحها بعدد كبير من الأشكال والمصغرات التكوينية فهي-أي اللوحة-مقاربة الشبه بغابة كثيفة الأشجار حيث تجد أن الفنان يستنفر مكامن مخيلته الثرية بغية الوصول الى زمنه الافتراضي مؤسساً بذلك تجربته الخاصة به، وما يميز لوحته هو الاحتفائية التي تغلفها، فهي تحتفي برموزها ذات الطابع الاستثنائي، فهناك كل شيء من لاشيء.. الألوان في أعلى مراتب بهجتها وقوة التكوينات ذات الخطوط البشرية والحيوانية والنباتية، نابضة بروح الفنان التي تراها متجسدة عبر خطوط لوحته.من الجدير بالذكر أن هذا الفنان قد استفاد كثيراً من ميثولوجيا وتجليات الحضارة العراقية القديمة، لكننا نجد أن موجهات الحضارة السومرية هي الأقرب الى اشتغالات الفنان البنيوية داخل عالمه الأثير «اللوحة» بفعل تقارب الحروفية التكوينية التي أشتغل من خلالها، مع هيئة الحرف السومري المنتمي الى شكل الكتابة الصورية.يذكر أن صدر الدين أمين من مواليد كركوك عام 1963 درس في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد أوائل الثمانينيات، ويقيم مع عائلته في أمريكا (بنسلفانيا) منذ عام 2001

Friday, March 20, 2009



صدر الدين أمين

رسام تسكن لحيته العفاريت والكائنات المركبة


المدى - خالد خضير الصالحي

لم يكن إجماع النقاد عندنا على ان الرسام الكردي العراقي المقيم في بنسلفانيا صدر الدين أمين فنان بدائي، دونما أسباب قوية كان أهمها: درجة الهوس التي يبديها ذلك الرسام بالمحيط والبيئة، وموجوداتهما من الكائنات التي يتخذها وسيلة بصرية بهدف الكشف عن المعطيات الجمالية الكامنة في طيات الكيان المحيطي بصفته موضوعه الأثير وربما الوحيد، فكانت لقى ذلك المحيط تشكل بوابة الفنان إليه، لقى كان يبني وفقها منظومته الشكلية، فمن لا يعرفه سيحكم على تجربته وكأنها تجربة رجل بدائي, مازال يعيش في احد أدغال مجاهل أفريقيا الاستوائية, يرتدي لباسا من الريش او الجلد, يركض خلف الطرائد، يعيش في الكهوف والمغارات, وهو لم يفعل شيئا سوى انه نسخ لنا رسومه من صور الطرائد على جدران تلك الكهوف.لم يكن صدر الدين أمين يؤمن بما امن به عشرات من الرسامين العراقيين باتخاذ مستحثات الجدران العتيقة موضوعا لهم فكانوا يستقرئون سطوحها، ويجرون بحوثهم الأركولوجية عليها؛ لاكتشاف كوامنها الإشارية والعلاماتية؛ باعتبارها مقطعا عرضيا, او شريحة نسيجية تحمل واقع الحياة الإنسانية في اصغر تفصيلاتها؛ من خلال اكتشاف مخلفاتها التي تشكل أثرا لمرور إنساني ترك إشارته علي سطح المحيط: كتاباتٍ, وآثاراً, وحزوزا، حينما مثلت هذه الحكايات والأساطير معينا أساسيا في تشكيل البنية الثقافية المستمدة من الميثولوجيا الشعبية لمناطق الغابات الجبلية في العراق, والتي أعاد صدر الدين أمين صياغتها من خلال فن عالي التقنية والصياغة البنائية.يؤكد الرسام صدر الدين أمين في كل عمل جديد، او قديم, بأنه ليس فقط مسكونا بهاجس التوحد مع الطبيعة باستحضار كائناتها, بل هو متوحد بعناصرها, ربما كان ذلك راجعا لإيمانه بحتمية عودة كل كائن، يوما ما، إلى الطبيعة, من حيث أتى، فتتحلل عناصره، وتمتزج بعناصر الطبيعة المكونة, عناصر خرجت منها يوما ما، وستعود إليها يوما، وستنبعث منها تارة أخرى ضمن مكونات كائن آخر مختلف.. وهكذا؛ وبذلك يكون نزوعه نحو تأسيس لوحته من عناصر الطبيعة البكر, إقرارا بوحدة الوجود وعناصره الخليقية التي يحشّدها في لوحته بكرم باذخ, وباندماج ذوباني بين تلك الموجودات, وبشكل تكون فيه تلك العناصر مادة مشرعة دائمة للخلق, فهي إذن عناصر تكوين ( محايدة ), من الناحية ( الاجناسية ), ان صح التعبير, مستعدة لبناء أي عنصر او كائن جديد, فهي دائبة الحركة والانتقال, من كائن لآخر، او من مكان لآخر.ان احد أهم الأدلة على إيمان صدر الدين أمين بوحدة كائنات اللوحة هو تعطل اشتغال فعالية الشفرات الجينية لكل كائن بشكل يخرق مواصفات النوع, ويؤدي إلى امتزاج المواصفات الخليقية للكائنات, فكثيرا ما تتعدد أطراف احد ذوات الأربع, ولعدد غير محدد, في كل مرة, حتى يقترب أحيانا من أشكال الديدان ونحوها, فلا وجود لمواصفات موروثة ثابتة, تحفظ لكل نوع خليقي مواصفاته الجينية وتميزه المحفوظ, وبذلك يبرهن أمين على انه قد خطى خطواته: الأولى والاهم, نحو تحقيق وحدة العالم الحيواني, وصولا إلى تحقيق نزوع الكائنات للعودة إلى أزلها, أي تحللها إلى كائنات مجهرية, من ذوات الخلية الواحدة, خلية محاطة بغشاء يحفظ أجزائها من التبدد, وصولا إلى الخلية ( الحيوا - نباتية ), ان كانت تصح مثل هذه التسمية في علم الأحياء.يحقق الرسام صدر الدين أمين شكلا آخر من أشكال الوحدة على سطح لوحته, بتأكيد ذوبان الحدود الفاصلة بين التشخيص والتجريد, حيث لا يمكن في كل مرة وبثقة, تبين طبيعة العديد من أشكاله, هل هي كائنات مجهرية تمظهرت بمظهر تجريدي, أو ان ما نشاهده نمطا تجريديا تلبس, عبر عملية تشاكل صوري, شكلا ما, شكلا كان قد علق بذاكرته من أشكال الكائنات المجهرية, فيكون ذلك واحدا من أهم أسباب افتراض وجود الوحدة الخلائقية في تجربة هذا الرسام.نتلمس في تجربة صدر الدين, نمطا آخر مهما من التوحد,ذوبانا للحدود بين الهندسي والطبيعي، فقد يتحول قرص الشمس بيسر من دائرة هندسية تامة الاستدارة, إلى كائن أميبي, تخرج أطرافه خارج الشكل الذي كان دائريا فصار شكلا طبيعيا غير تام الاستدارة.ربما نتخيل صدر الدين او يتخيل نفسه في مختبر بيولوجي يقوم بتجارب جينية تمازج بين جينات كائنات مختلفة، فكانت إحدى نتائج تجاربه تلك كائنا (خرافيا) مركبا غريبا، رجلا برأس حيوان، ربما يشكل امتدادا للميناطورات والقنطورات التي كانت تظهر في فنون الرسم على مر العصور، انه كائن بشري مازال محتفظا بكل نوازعه الحيوانية الأصيلة التي يؤكد نمطا منها كل مرة يستبدل فيها رأسه: برأس كلب او ذئب او طائر او ثعلب او قط وحشي، او رأس كائن لا تبين ملامحه، كائن زئبقي متلون يمارس اغرب طقوس السحر والتحولات.مثلما وصف والت وايتمان رجلا تملا لحيته الفراشات؛ فإننا نصف صدر الدين أمين بأنه «رسام تسكن لحيته العفاريت والكائنات المركبة».

http://almadapaper.net/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=61142