الفنان التشكيلي صدرالدين امين
( أقتبسُ من طفولتي، لأشيّد مملكة مرئية )
حاوره: خالد كاكي
مدريد – بنسلفانيا
مدريد – بنسلفانيا
خالد كاكي : هل أن عالم الطفولة - الثر - قابل للنضوب ؟
صدرالدين امين : ان عالم الطفولة هي تلك الحياة الداخلية الحقة والتي تنمو بتلقائية عالية منعمة بخيالات من الذاكرة البشرية البدائية الاولى منذ الازل، وهو يعني التلقائية والبساطة والعفوية والتعبيرالفني وغير الفني الحر، انه عالم اللاوعي واللاشعور والارتجال والتجلي الخالص وهو حلمنا المستعاد. يقول كويلهو ) الطفل الذي فينا هو الذي يشعرنا بان كل شيء، كل شيء لم يزل امامنا ) نعم احاول ان يكون الطفل الذي في داخلي واعيا على الدوام ينمو ويكبر ولكن لا اجعله ان يشيخ في داخلي اريده ان يكون خالدا وابديا لذلك فانا حريص على بقاؤه حيا وبلا عمر وهذا ما يجعلني انهل من ذلك الطفل الداخلي كنبع لاينضب المزيد والمزيد من الرسومات الطفولية الحية على الدوام وكل هذا يجعلني متيقنا بموت الفنان عندما يفقد سحر طفولته الذي هو مبتكر الدهشة ومخترع الحواس وكذلك التعبير الامثل عن الجمال المطلق، ان عالم الطفولة لحظة استثنائية تتشكل فيها ايقاع حياتنا بكل تفاصيلها وبحرية غير منقوصة بعيدة عن خطايا الانسان التي لاتنتهي لذا ساستمر واظل اقتبس من طفولتي طويلا محاولا تشيد مملكة مرئية من اللامرئي اقل ما يمكن ان يقال عنها انها مملكة الانسان الطفل بابديته وانا سعيد بهذا كله.
خالد: أين تكمن متعة الرسام ؟
صدرالدين: ان متعة الرسام تكمن فيما يحيطه وما يعيش في داخله من رغبات سرية تنمو وتكبر لحظة الرسم، رغبات تخلقها طفولتنا الداخلية التي تعشعش في عقلنا اللاواعي وفي اعماق الروح لتخرج على شكل مخلوقات مطرزة بالخطوط والالون لتبهجنا وتسعدنا ببراءة احيانا وبخبث احيانا اخرى مرة تضحكنا ومرة تبكينا كلعبة الوجود من حياة وموت، ومتعتي في الرسم أني اجد ماكنت ابحث عنه وما كان مختباً وغير قابل للزوال والنسيان والتشبث بكل ماهو جميل ونقي في تضاريس الروح واكتشاف لذائذ لحظات الجمال قبل ان تفلت من مكامنها المتسترة تلك التي ترافقنا منذ الطفولة باحثين عن سر سباحتنا وتجوالنا في محيطات الشياطين وفضاءات الملائكة تلك التي تقودنا بحرية مشوبة بالخطر نحو الفتنا ونحن نحاول الانجذاب كفراشات محترقة تجاه الضوء الذي هو الجمال الذي نحن بصدد البحث عنه منذ بدء الخليقة، منذ اول فنان بابلي وليس انتهاءً بالفنان جواد سليم معلنين رغباتنا وبلهاث عن اكتشاف (السر المر) سر اكتشاف ذواتنا العامرة بالالغاز اولا ، وسر معنى وجودنا الازلي ثانيا حالمين بفراديس وهمية فقدناها الى الابد، وما يمتعني ايضا هو البحث عن طفولتنا الضائعة والحنين الى موطني الاول الذي احمله معي واجدها في خطوطي والواني ومخلوقاتي، على لوحتي والتي هي وطني الثاني لاني اعتبر الرسم كنزهة لانهائية في ممرات واقبية الروح وهو لذتي الحقيقية الوحيدة ربما تلك اللذة التي لاتنتهي الا بانتهاء عمل الفنان او الفنان نفسه. احيانا تكمن متعة الرسم في لامتعته وجدواه في معنى لاجدواه ورغم هذا اشعر ان سر وجودي يكمن في الرسم وفي تلك االرغبة المتجذرة في العقل والروح للبحث والتامل في كل مفردات الطبيعة انها مسرة ممتعة ولذيذة لكنها تبقى مسرة ناقصة لحين اكتشاف النشوة الحقيقية في ماوراء الرسم ويبدو ان العثور على تلك الحقيقة الازلية يبقى مجرد حلم حسب تعبير الاغريقي ميلتون.
خالد: لماذا ترسم ؟
صدرالدين: انه سؤال الاسئلة وهو السؤال الجبار الذي لابد ان يسأله كل فنان نفسه: لماذا ارسم ؟ وفي الحقيقة ليس هناك من يستطيع ان يجيب على هذا السؤال الصعب وهذا يذكرني بمقولة انغليوس سيلسيوس حينما يسال لماذا تزهر الوردة فيجيب ( ان الوردة تزهر لانها تزهر بدون لماذا ) وهكذا الرسام يرسم بدون ان يعرف لماذا وحتى ان بول كلي حين يسال لماذا ترسم يقول ( ارسم لاني لم اجد لذة في الحياة الا فيما كان ممنوعا، الرسم والادب ) وهذا ما يخص بول كلي وانا بدوري اشاركه رايه باني اجد متعة حقيقية في الرسم لكنه في الحقيقة لابد ان يعرف الرسام الحق لماذا يرسم، فانا حين بدات الرسم لم افكر بهذا السؤال بل مارسته كلعبة اخرى من العاب الحياة ولم اسال نفسي لماذا ارسم ولماذا اريد ان اكون رساماً، هذا في بداية مشواري الفني، لكني حين كبرت في الرسم وبدات حياتي تاخذ منحى اخر بفضل الرسم وجدت نفسي فجاة امام هذا السؤال الكبير، وهكذا قررت ان اكون رساماً واضعا نفسي في خدمة الفن، نعم وجدت اللذة اولا في الرسم واردت ان اكتشف جمالاً خاصاً يخصني وحدي، فبدات البحث عن حقيقة هذا المعنى في الرسم. فحقيقة انا ارسم لانه لابد لي ان ارسم ولاني اريد ان ابحث عن معنى اخر لحياتي بعد لذتها والرسم يمنحني قوة للبقاء على قيد الحياة وهو يشعرني بلذة الوجود الرائع ونشوتها وهو يدعوني الى تامل كل شيء في الطبيعة والحياة صغيرة كانت ام كبيرة ولان الرسم متعة حقيقية تضاهي متعة ذلك المتصوف وهويناجي ربه في صومعته رغم انه منعزل ووحيد، ومن خلال الرسم اجد نفسي اشبه بكائن ميثوبي متفرد يمضي بهدوء حالما ببلوغ يوتوبيا ساحرة هي مملكتة التي لاتشبه ممالك دنيوية، مليئة بمخلوقات بريئة مزخرفة بالجمال مزدانة بالمحبة، مملكة في اللامكان واللا زمان، مملكة سرمدية بلابداية ولانهاية كالرسم تماما. لهذا اردت ان اكون رساما لاغرف من ملكوت الجمال ما اشتهي ولاني ربما لا اعرف نفسي الا حين ارسم، وارسم لاني اريد ان اكون رساماً لان (الفنانين هم الصناع النوابغ للجمال وان من يبدع منهم يمنح الكينونة ذاتها، يستل شيئا من العدم، وهذا الشيء يختص بالعلي القدير وحده ) كما عبر عن ذلك البابا يوحنا بولس الثاني في رسالة منه موجهة الى اهل الفن. لكل هذا ولاسباب سايكولوجية اخرى، اكتشف اليوم ان حياتي بدون رسم غلطة كبيرة لاتغتفر.
خالد : هل تحاول ان ترسم لوحة مختلفة عن اعمال الاخرين ؟
صدرالدين: ( انا وبيكاسو مختلفان كما يختلف القطب الشمالي عن القطب الجنوبي ) هكذا رد ماتيس على سؤال احد النقاد حين اخبره ان اعماله ليست مختلفة عن اعمال بيكاسو. ان عبارة ماتيس تعني ان كل رسام يحاول ويعمل ويجتهد بان يرسم لوحة مختلفة عن لوحات الاخرين وان لاتكون لوحته نسخة مكررة عن لوحات فنان اخر. لذلك فعمل اي فنان لايمكن ان يكون فريدا ونادرا الا اذا كانت مختلفة عن اعمال من سبقوه اومن مجايليه من الفنانين وحيث ان الاختلاف والفرادة لايفوز بها اي فنان الا المجتهد والذكي والمتعمق والمخلص للفن هو وحده الذي بامكانه أن يبتكر عملا فنيا مهما يكون ذات قيمة جمالية وفكرية عالية. واللوحة المختلفة هي وليدة عقل وانفعال ورؤية وثقافة ومعرفة وتعبير مختلف. باعتقادي ان الفنان العظيم كالمخترع العظيم كلاهما يحاولان اختراع شيء فريد من نوعه ذات قيمة استاتيكية استثنائية وذات فائدة للبشرية ، وبالتاكيد ان اي عمل فني لايمكن اطلاقا ان يخرج من العدم بل هو امتداد لعمل فني اخر بدءا من الرسومات الموجود ة في كهوف التاميرا الاسبانية وليس انتهاءً باحدث الاعمال المعروضة في صالات نيويورك، وكل فنان هو امتداد طبيعي لفنان اخر بشكل او باخر منذ اكتشاف اللوحة الحديثة على يد دافنشي وحتى اعمال الفنان الامريكي الشاب جيف كونز، كنت ولازلت وسابقى احلم بان انتج لوحة مختلفة عن الاخر بكل شيئا ومنذ ان وعيت واصابتني جرثومة الوعي الفني والجمالي المبكر من خلال مطالعاتي لمؤلفات الفيلسوف برجسون االذي تعلمت منه ولاول مرة معنى كلمة الخلق والخالق وهو اول من استخدم هذه الكلمة في تاريخ الفن وهذا اكتشاف واختراع وخلق برجسوني بطبيعة الحال هذه الكلمة التي جعلتني اعمل وافكر بعمق في مصير لوحاتي وكيف يتوجب علي ان ارسم وانتج لوحة خلاقة بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى لوحة تحمل توقيعي الشخصي اريد ان اجمع فيها بين الجمال الابولوني في النسق العام والجمال الديونيزي في الغموض وهذا هو كل ما احلم به وكل محاولاتي تصب في هذا الحلم وهذا الحلم الفني يمر من خلال المفردتين السحريتين الازليتين الخلق والخالق، الاختراع والمخترع وهاتان الحالتان الوجوديتان في عمق تفكيري ايمانا مني بتحويلها الى عقيدة خاصة بي وذلك بمواهبي وقدراتي الجمالية لاعلن للعالم عن ولادة لوحة خلاقة من اختراعي الشخصي.
خالد: هل تشكل الثقافة حجر الأساس في رسمك ؟
صدرالدين: يقول هربرت ريد ( ان الوسائل التشكيلية هي : عين تستطيع ان ترى، ويد تطبع وروح تحس ) وبدوري اود ان اضيف الى هذه العبارة المهمة وسيلة اخرى وعنصر مهم اخر انها الثقافة او المعرفة لانها واحدة من اهم المقومات والركائز والدعائم المهمة بالنسبة للفنان ومثلما ( الهندسة بالنسبة للفنون التشكيلية هي كالنحو بالنسبة لفن الكتابة) حسب تعبير ابولينير هكذا الثقافة بالنسبة للرسم والرسام كما ارى. بالنسبة لي تاتي الثقافة قبل الرسم ومن خلال الرسم وبعد الرسم فانا اعطي هذا الجانب اهمية كبيرة، وباعتقادي الشخصي ان اللوحة الكبيرة تنبع من خلفية ثقافية كبيرة وبما تحمله الذاكرة من ارث ثقافي وفكري ومعرفي عميق ومتشعب لان الثقافة والرسم توأم الوعي ذاته لان الفنان الواعي يكون ذهنه متوقدا ابدا وبالتالي تنشط ذاكرته المعرفية والخيالية في ان يصبح تدريجيا كائنا حسيا مفرطا في الحساسية يرى بعين العقل صور ذهنية مذهلة ولانهائية وذلك بادراكه الشعوري واحساسه الوجداني وكل هذا لايمكن ان ينمو داخل عقل الفنان دون ثقافة ومعرفة ويبقى عمل الفنان بالتالي ناقصا ولايمكن ان يخلد. يقول الفنان الاسباني انطونيو تابييس ( على الفنان ان يكون ملما ويعي مايجري حوله في ساحة العلوم والفلسفة والسياسة والثقافة عموما ) نعم لقد اعتمدت مبكرا في الرسم على الثقافة وذلك باطلاعي على كتابات وثقافات واساطير وحكايات وملاحم وفلسفة واداب وديانات حضارات العالم المختلفة وكذلك كتب ومؤلفات علماء الانثربولوجيا فهي من مرجعياتي المهمة لذا اعتقد ان كل فنان في النهاية لابد ان يعتمد بشكل او باخر على الثقافة في عمله الفني وكل حسب قدراته الفكرية والمعرفية وهذا يعتمد على وعي واجتهاد وذكاء الفنان نفسه في النهاية وبما انه ليس كل متعلم مثقف وبالتالي ليس كل فنان مثقف ولو كان كل الفنانين مثقفين لكان الجميع فنانين عباقرة مثل بول كلي وماتيس وكاندنسكي ودالي. اعتقد ان الفنان الكبير يجب ان يكون مثقفاً كبيراً. والفنانون الكبار مثقفون كبار.
خالد: هل يقدر الجمهور الأمريكي فنك ؟ ما السبب ؟
صدرالدين: كما تعلم ان الولايات المتحدة ليست مجرد دولة فحسب بل هي قارة باكملها فيها خمسون ولاية كبيرة , مثلا ان كاليفورنيا بحجم العراق مساحة وسكانا تقريبا وفي الولايات المتحدة هنالك خمسة ملايين فنان بينهم خمسمئة فنان مهم وعشرة اهم فنان حي هم امريكيون بحسب اخر استطلاع في الفن اضافة للفنانين هنالك ملايين القاعات والاف المتاحف تصور ان في نيويورك وحدها 150 متحفاً. لنتساءل ونحن في هذا الجو والعالم الفني الحاشد والمذهل بكل تقنيات واساليب الفن كيف بامكان الفنان ان ينجح وكيف ولماذا يقدر اعماله هذا بالنسبة للفنان الامريكي فكيف بالنسبة لفنان قادم من العالم الثالث الفقير في كل شيء، بالتاكيد ان الفنان سيكون بحاجة الى معجزة ليرسم ويعرض ويشتهر وهذا لايمكن ان يحصل سوى بالعمل المثابر والاجتهاد والذكاء والتفاني والاخلاص في الفن او الحظ كما يقول الامريكيون ولذلك يبقى الفنان حائرا كيف واين يعرض اعماله ومن جهة اخرى يقف المتلقي حائرا كيف يستوعب كل هذه الاعمال وماذا يقتني منها. بالنسبة لي بعد ستة اشهر من وصولي الى الولايات المتحدة عرضت اعمالي في معرض شخصي على قاعة - سوك شوكلي- ونجح معرضي نجاحا مقبولا اذ اقتنيت نصف اعمالي المعروضة لذلك ضمنت العرض في تلك القاعة بشكل مستمر ودائم وحتى اليوم وهذا مهم جدا بالنسبة لاي فنان وخاصة بالنسبة لفنان يعرض لاول مرة خارج بلده، خاصة لو علمنا ان القاعات في الولايات المتحدة محجوزة ولسنوات وبعضها تعرض لفنان واحد فط وبعضها لفنانين محدودين وكل قاعة لها مزاج خاص في العرض وكل يختار حسب الاساليب فالقاعة التي تعرض اعمال واقعية، من المستحيل ان تعرض اعمال تجريدية. أي ان لكل قاعة خصوصية فيما تعرض وهنا تكمن المشكلة فعلى الفنان ان يبحث عن القاعة التي تعرض اعمال قريبة من اسلوبه هذا من جهة، هناك الصحافة والتلفزيون والاهم الجمهور والمقتنين وبدون جمهور ومقتنين يموت الفنان وهو في المهد. وانا حالفني الحظ فعرضت اعمالي ولازلت مستمراً في العروض وكتب عني في الصحف والمجلات الامريكية وبثت قناة فوكس الاخبارية تقرير عني وحصلت على الجائزة الاولى في معرض جماعي لفنانين من بينسلفانيا اقامه متحف بوشر هاوس وكذلك حصلت على الجائزة التقديرية في المعرض السنوي لمتحف لانكستر وثم حصلت على عقود للعرض في صالات مختلفة خارج مدينتي التي اعيش فيها اضافة الى حجم المقتنيات فالامريكيون يقدرون اعمالي وكثيرون اقتنوا اعمالي وهناك من اقتنى اكثر من عملين وكل هذا مهم جدا بالنسبة لديمومة الفنان وعمله يقول اندي ورهول (ان الفنان الجيد في امريكا هو الفنان الذي يقتنى اعماله بشكل جيد) . وانا اقول انه لايمكن ان يقتنى اعمال الفنان ان لم يكن عمله مختلفا ومميزا عن اعمال الاخرين , ومن خلال وجودي في امريكا وجدت انهم يبحثون عن المختلف والغريب والغير مالوف وقد سالت الكثيرين من الذين اقتنوا اعمالي عن سبب اقتنائهم فاجابوا لان اعمالك مختلفة عن اعمال فناني امريكا وفي كل شيء، ففي دليل المعرض االسنوي لمتحف لانكستر كتب عن اعمالي مايلي ( ان اعمال صدرالدين غريبة جدا وكل من يشاهد لوحاته يجد شيء يخص نفسه فيها و ان وجود هذا الكم الهائل من المفردات والمخلوقات في لوحة واحدة امر مثير للدهشة ويبدو ان الفنان من بيئة غير امريكية ونرى ذلك من خلال الخلفية الثقافية الهائلة والمختلفة والمتشعبة للوحته كما يبدو). اعتقد ان هذا هو السبب في تقديراعمالي في الولايات المتحدة سواء من قبل الجمهور او المقتنين او الفنانين او النقاد وثم اصحاب القاعات الفنية.
خالد: كيف ترى الرسم الحديث في العالم ؟
صدرالدين: الفن حاله حال اي شيء اخر في الحياة ينمو ويتطور باتجاه افاق اوسع، وفي كل عصر وفترة زمنية ينتج ويخلق ويبتكر فناً جديداً يختلف عن االفنون والاساليب السابقة، كما وتختلف وظيفة ودور الفن في كل مرحلة تاريخية يمر به وبالتالي يتغير مفهوم الفن من مفاهيم تقليدية الى مفاهيم حديثة وغير مسبوقة وخاصة في االسنوات العشر الاخيرة من القرن العشرين حيث ثورة التكنولوجيا الحديثة التي لابد ان لاتمر مرور الكرام في الفن وان يتاثر الفنان بشكل او اخر بهذه الثورة المذهلة في الشرق والغرب. أرى ان فن اليوم قد اتخذ صيغ ومديات عالمية معبرا عن ذاته بافكار واشكال حديثة ومعاصرة في الشكل والمضمون. فن اليوم بات يتحاور ويندمج مع كل شيء اي أنه مفتوح على عالم اوسع ولايضيق بنفسه مما ادى الى ادخال كل شيء في الفن مهما كان بسيطا او مبتذلا او مقدسا وبذلك تثير الصدمة في الجمهور التقليدي لان وسائل الفن قد تغيرت اليوم فلم تعد ادوات الرسم والنحت التقليدية كالفرشاة والازميل من ادواة فنان اليوم بل تعداه الى الى التصوير والسينما والفيديو والانستيلشن والخ. فن اليوم هو مزيج من كل هذه الوسائل، حتى ان تعريف الفن وماهيته قد تغير ويتغير باستمرار وهذا امر طبيعي، ان فن اليوم لايرتبط بمكانٍ واحد، حيث ان وطن الفن هو الفن ذاته دون مكان محدد ومعين ويتخلى عن جذوره تدريجيا وبذلك فهو في الطريق الى ان يفقد سحره الاول، ان من يشاهد معروضات بينالي وتني الشهير والذي يقام على صالات متحف وتني في نيويورك يصل الى نتيجة بالقول انه صار بامكان اي انسان ان يصبح رساما وذلك بسبب استعمال الفنان كل الوسائل المتاحة امامه لاستخدامه في عمل فني بدءاً بالاشياء المبذولة من الادوات الكهربائية وقطع الاثاث المنزلية والملابس المستعملة وحتى الفواكه الطازجة والأعضاءالبشرية والدم وحتى روث الحيوانات. تصور ان غلاف احدث كتاب صدر بعنوان (فن اليوم( عبارة عن لوحة لفنان رسمه بروث الفيل اثارت تلك اللوحة وقتها جدلا كبيرا وصل الى المحاكم وفي النهاية انتصر الفنان وعمله المذكور حاليا معروض في متحف عالمي ورغم كل هذا لايمكن لكل من هب ودب ان يصبح فنانا والا فسيصبح الناس كلهم فنانين، وفي النهاية لاتخلد الا الاعمال التي تحمل قيم ومعاني الفن السامية و التي تحمل تواقيع فنانين حقيقين سواء رسم بروث الفيل او رسم بالفرشاة ومواد الرسم التقليدية. اما الاعمال الميتة فهي تلك المصنوعة من اهواء وفواجع وسخافات مؤقتة تحمل تواقيع فنانين أميين هذه المرة.
***
نشر هذا الحوار في صحيفة الاديب
في العدد 167
بتاريخ 14 - 05- 2008
http://www.al-adib.com/PageList.aspx?Issue_Id=483
www.al-adib.com
نشر هذا الحوار في صحيفة الاديب
في العدد 167
بتاريخ 14 - 05- 2008
http://www.al-adib.com/PageList.aspx?Issue_Id=483
www.al-adib.com