الكاتب طارق كاريزي
: الفنان الكوردي المغترب صدرالدين امين
لاتوجد لدينا ثقافة جمالية
لقاء/ طارق كاريزي
مجلة الصوت الاخر
اربيل - اقليم كوردستان العراق
منزلهم في كركوك كان اشبه بالمتحف الفني، خمسة اشقاء فنانين تحت سقف واحد، فلم تسلم الجدران والسقوف وارضيات الغرف من ضربات فرشاتهم، العراق بلد يكبل الطاقات (والان يغتالها في ظل ثقافة الارهاب)، لذا يضطر عدد غير قليل من الموهوبين وذوي الكفاءات الى التحليق بعيداً عن الوطن، فاذا بارض الغربة توفر الارضية الخصبة للنمو والارتقاء، هذا بالفعل ماحصل مع الفنان التشكيلي الكوردي صدرالدين أمين الذي فر من بلد الحصار والمقابر الجماعية ليحط تحت غصن آمن في العالم الجديد، ومن خلال هذا اللقاء نسلط مزيداً من الضوء على ارئه حول الفن:
في خضم الحياة الأمريكية، ماذا تبقى من كركوك وكوردستان لدى صدرالدين ؟
- لا ابالغ لو قلت بان كل شيء بقي على حاله عندي بل وزد عليها تفاصيل اخرى فانا عشت اكثر من ربع قرن في كركوك فلايمكن اطلاقا ان انسى تلك الحياة التى عشتها هناك وبادق تفاصيلها المملة، صدقني اني اكتشفت وعرفت بلدي هنا في امريكا اكثرمما كنت وانا في كركوك وبين اهلي واصدقائي، هنا وانت بعيد ستكتشف كل شيء على حقيقته بدون زيف، نعم انا الان اعيش في امريكا وسابقى اعيش فيها والتي منحتني كل ماكنت احلم به وهي الحرية التي هي اصل كل شيء لانه بدون الحرية يكون الانسان مخلوقاً غير كامل ومشوه ولايمكن ان يبدع وينتج ويفكر بطريقة صحيحةوصحية ويخدم البشرية، وهذا لايعني اطلاقا باني لا اعتز بكرديتي وعراقيتي بل انا فخور بنفسي لاني انتمي الى اقدم حضارة على وجه الارض وهي بلاد وادي الرافدين والتي وللاسف وبفعل اطماع البشر الدنيوية في خيرات هذا البلد ومنذ الازل تحولت الى ما اود ان اسميه بوادي الدموع حيث قدر للانسان العراقي ان يبكي منذ لحظة ولادته وحتى لحظة مماته للاسف، نعم انا اعيش في امريكا، لكن صدقني اشعر باني مازلت اعيش في كركوك التي ولدت فيها، صحيح انني بعيد عنها جغرافيا لكن روحيا انا هناك وكما معلوم ان الروح تبقى والجسد يفنى لذا فانا باق في كركوك رغم اني عشت سنوات اغتراب حقيقي هناك وكنت دوما اشعر باني ولدت في المكان الخطأ لاني لم اكن حرا هناك ابدا ورغم هذا فانا احمل كركوك وكل الاشياء الجميلة التي وجدتها فيها في داخلي كامانة وكلقى نفيسة ولن اتخلى عنها ابدا لانه بكل بساطة لايمكنني ان اغيب كركوك من ذاكرتي ولو لحظة ففيها كل ذكرياتي وهي حياتي وحياتي هي فني ورسوماتي ورسوماتي هي كل ما سيتبقى بعد ان يزول كل شيء اخر، فالانسان المبدع سواء كان رسام أم كاتباً هو بامس الحاجة الى البقاء على ارشيفه الذاكراتي كما احب ان اسميه لانه سيكون المصدر الرئيس لديمومة ابداعه حتى ولو وصل الى ارض المنفى وهو طفل صغير فالذي يقرا رواية ( اخر الملائكة ) للكاتب والشاعر الكركوكي فاضل العزاوي يشعر بان الكاتب يعيش حاليا في احد ازقة بيريادي في كركوك رغم انه ترك كركوك منذ مايقارب نصف قرن ويعيش في المانيا هذا بالنسبة للشاعر اما الفنان فهو ايضا كالشاعر ديمومة ابداعه تكمن في خزين معجمه الطفولي وامكنة الولادة وصلات العائلة والاصدقاء اضف الى ذلك حجم الكوارث كما حدث للرسام الامريكي الارمني الاصل ارشيل كوركي الذي وصل الى امريكا وهوفي العاشرة من عمره بعد ان تعرض هو وعائلته وقومه الارمن الى الابادة الجماعية من قبل دولته الذين قتلوالاطفال والنساء والشيوخ ولم يبقى لهذا الرسام شيئا سوى صورة له مع والدته التي وضعت تلك الصورة في يد ابنه ارشيل وهي تودعه قائلة ( احتفظ بهذه الصورة انها كل ما تبقى لنا انها عائلتك انها الارمن جميعا تذكر ذلك ولاتنس وانت في امريكا)، وهكذا وصل كوركي عن طريق الصليب الاحمر الى امريكا وبنى اسطورته الفنية الشخصية على تلك الصورة كايقونة ترمز الى كارثة قومه الارمن الذي كان شاهدا عليها وبقيت تلك الكارثة تخيم على ذاكرته وابداعه ولم يتحمل ثقل تلك الذاكرة المدمرة فانتحر امام لوحة كبيرة رسمها نقلا عن تلك الصورة، صورته مع امه، صدر احدث كتاب عنه بعنوان(الملاك الاسود)هكذا اطلق الامريكيون هذا اللقب عليه اما الاتراك فكانوا يوصمونهم بالاباليس والشياطين والكفرة لذلك وجب ابادتهم كما حال الكورد الذي يوصمون في بعض الادبيات بانهم من سلالة الجن وليسوا من الانس والخ، ما اود ان اوجزه من القول بان كل مبدع لايحمل في ذاكرته الجزء المشرق من ارث وتراث وثقافة بلده هو كائن مصاب بفقدان الذاكرة ولايمكن لمن فقد ذاكرته ان ينتج عملا فنيا خلاقا، وللاسف نجد ذلك في اساليب بعض فنانينا الذين يرسمون خارج ذاكرتهم الحقيقية وبالتالي ما ينتجون من اعمال تتسم بالسطحية ولايمكن ان ترتقي الى مستويات ابداعية اعلى من حجمها الطبيعي ابدا، بالنسبة لي ان وجودي في امريكا هو اثراء لثقافتي المعرفية وتنشيط لذاكرتي وثم تعميق انتمائي لمكان ولادتي واقصد الوطن الام، اما الان فعلي اللعنة، صرت افزع من الوطن( بسبب مايحدث من ماسي في وطني العراق ) ،كما في قول رامبو وهو يترك باريس متوجها نحو صحارى الشرق باحثا عن معنى اخر لحياته القصيرة، اخيرا توصلت الى قناعة تامة بان المكان الذي ارسم فيه هو وطني الحقيقي، وطني حيث لوحتى.
ماهي الرسالة التي يمكن ان يضطلع بها الفن في المجتمعين الغربي والشرقي ؟
-عموما ان رسالة الفن في كل زمان ومكان هي واحدة من اسمى وارقى الرسالات لان مبدأ وفكرة الجمال هي اصل كل شيء ونحن دونها لاشيء لان كل شيء جميل نابع من جمال الخالق الذي خلق كل شيء على احسن تقويم ووضع نوره فيه، لذلك فكما ارى فان الانسان الذي يعبد الخالق هو يعبد الجمال الذي اصله نور وضوء وكل ضوء له ظل والرسم هو ضوء وظل الذي هو الليل والنهار اللذين هما اللونان الاساسيان الابيض والاسود وما بينهما من الوان القوس قزح الذي هو اعظم تجلي للخالق الذي يعتبر هو المصور الاول المجهول والمعلوم في ان واحد، مجهول للذي لايرى ومعلوم للذي يرى وكما يقول اوسكار وايلد ( اننا لانرى الشيء الا عندما نرى الجمال فيه ) وبراي ان الانسان دون الفن والجمال هو اعمى ويعيش في الظلام لذلك فيبقى دائما وحيدا كئيبا ويحقد على كل شيء مضيء وجميل كالخفافيش وهذا مانلاحظه اليوم في العراق بحيث يجول ويصول الارهابي الظلامي ليحرق الاخضر واليابس ويقتل ويذبح بدم بارد كل شيء قائم على الجمال هذا الجمال الذي قال عنه افلاطون انه بهاء الحق، ونحن نعرف ان الله هو الحق وهذا يعني بالنتيجة ان الله والحق والجمال، هو واحد، وقولنا يؤكد ماذكره فريتون شون ( الفن هو العودة الى الله)، تلك المبادىء الثلاثة هي رسالة كل فنان نقي مخلص للفن في كل زمان ومكان كما اعتقد.
مالذي يميز كل من الفنين الامريكي والكوردي ؟
- في حوار اخير اجراه معي الكاتب والرسام الكوردي ادهم ميران ونشر في مجلة سردم ( النسخة العربية ) وكان قد سالني عن مستوى الفن الكوردي فاجبته باني غير مؤمن بوجود مصطلح اسمه ( فن كوردي )! وتطرقت الى هذا الموضوع بشيء من التفصيل، هنا اود تكملة الحديث عن ذات الموضوع لان الحديث عن هذا الموضوع متشعب ويحتاج الى شرح طويل في محاولة لان نضع النقاط على الحروف بغية ارتقاء الفن في كوردستان الى مستوى رفيع يليق بالقرن الواحد والعشرين وكي لانبقى نراوح في مكاننا وربما نرجع الى الخلف كما يجري الان في الساحة الفنية العراقية حيث الفن في تراجع مستمر ولهذا اسباب يطول شرحها، مرة اخرى اؤكد بانه لايوجد حتى اللحظة مانسميه ب (فن كوردي ) على غرار شعر كوردي وموسيقى وغناء كوردي مثلا بامكاننا ان نتجرا بالقول باننا نمتلك اغنية وموسيقى كوردية مميزة وعندنا شعر وشعراء مميزون لهم بصمات كوردية خاصة تميزهم عن اقرانهم من شعراء العالم وسبب هذا التميز يعود الى اننا اصحاب تاريخ وارضية خصبة في الغناء والشعر على عكس الرسم والفلسفة لذلك فبامكاني القول بانا فقراء فلسفيا وتشكيليا ولكن هذا لايعني باننا لسنا اصحاب تاريخ فني تشكيلي او ليس لدينا رسامين جيدين لكن المشكلة تكمن في ان تاريخ فننا عمره قصير والفنانين الجيدين هم قلة قليلة، هذه القلة القليلة تحاول ان تضع اللبنات الاساسية الصحيحة في بناء وتاسيس فن كوردي مميز وراق وهذا لا يمكن ان يقوم به الفنان وحده بل يشاركه في ذلك المؤسسات الثقافية من معاهد وكليات الفنون ووزارة التربية والتعليم والمؤسسات المدنية والمثقفين والاعلاميون والكتاب ومتذوقو الفنون وذلك لكي نخلق فن كوردي مميز، نعم نحن اليوم نضع الاسس والبنيان الصحيح، الفن والفنان الكوردي اليوم هو مغلق على نفسه مؤدلج ومسيس، حتى اليوم لم يستطع اهم وابرز رسام كوردي تجاوز او الخروج من ثالوث التابوهات المقدس والمحرم ( الدين، السياسة، الجنس ) سواء الذي يعيش في داخل كوردستان او في الغرب، الفن الكوردي يهتم بالموضوع على حساب جوهر الفن والذي هو الجمال المطلق الخالص، هنالك موضوعان رئيسيان لاثالث لهما الا ماندر يستثمره الفنان الكوردي في عمله، طبيعة كوردستان وموضوع مذبحة حلبجة فبالنسبة لموضوع الطبيعة لم يبدع احدا في نقل طبيعة كوردستان بشكل فني معاصر سوى الفنان ازاد شوقي الذي هو بحق فنان الطبيعة اما موضوع مذبحة وماساة حلبجة فقد استغلها الفنانون بشكل لايليق بالماساة ابدا وان ما رسموه لايتجاوز عشرة بالمئة من حجم الكارثة وسبب ذلك لان ما رسموه لم يكن رسما تعبيريا احتجاجيا استنكاريا او تعاطفيا خالصا بل ظهرت كنوع من التوثيق الاعلامي لاغيرولا يمكن لتلك الاعمال الارتقاء والبقاء طويلا فموضوع بحجم حلبجة بحاجة الى لوحة كبيرة لانقول جدارية بل على الاقل ( مترين في مترين ) اما ان ياتي رسام يعيش منذ اثنا عشر عاما في دولة اوربية ويشارك بمعرض ويرسم لوحة عن حلبجة نقلا عن الصورالتي التقطها صحفي ايراني وبقياس ( 30 في 30 سم ) فانا اعتبرتلك اللوحة اهانة لماساة حلبجة والشهداء وليست تكريما لهم فاذا اراد الفنان الكوردي ان يرسم الماساة ويعلن غضبه او تعاطفه فعليه ان يقتدي بلوحة الجورنيكا لبيكاسو مثلا ويفكر بتلك الطريقة كي تخلد لوحته، ان اي عمل فني خلاق ناتج عن فكر وخيال خلاق لايمكن ان ياتي اعتباطيا دون جهد كبير وخلاق كما الفنان الامريكي الذي لايتكلم الا نادرا ودائما تجده منعزل يفكر ويرسم دون توقف حتى يتعب وينهارهذا الفنان الذي اجتاز وكسر كل المحرمات والمقدسات والممنوعات والذي يفكر بحرية عالية ويعيش ويرسم بشكل صحي وصحيح ومبدع فهو عندما يختار الرسم يضع كل ثقله واهتمامه وتفكيره وجهده في هذا المجال وباخلاص تام ويختار لنفسه نمط عيش معين بجانب الرسم وليتفرغ تماما للرسم حتى لو كان في عمر متاخر كما في حال رائد البوب الامريكي ليندر الذي تفرغ للرسم في الخمسين من عمره وكذلك رائد الواقعية السوداوية ادوارد هوبر والخ، الذي يميز الفن الامريكي هو انه مفتوح على جميع الجهات ففي امريكا هنالك مائة وخمسون مذهباً للرسم ومستمر في الزيادة، الفنان الامريكي لايخاف من اي شيء لذلك فهو يرسم كل شيء لايحاسبه ولايراقبه احد، الرقيب الوحيد هو ضميره فقط، هو يرسم بكل حرية يرسم السيد المسيح على شكل امراة عارية على الصليب ولايخاف من رجال الكنيسة، تذكرت باني قد قرات حواراً مع رسام كوردي من مدينة السليمانية ساله الصحفي عن اخر مشاريعه الفنية فيجيبه الرسام بان اخر مشاريعه هو البحث عن غرفة للايجار ليعيش فيها مع زوجته واطفاله، فتخيل المقارنة وحجم الكارثة، قرات ايضا ان خمسة فنانين كورد اقاموا معرضا مشتركا وعرضوا تجارب مميزة في الفن في متحف ( امنه سوره كه ) وكان احدهم قد عاد من اوربا ليستقر في كوردستان يقول هذا الفنان في حوار له ان عشرة اشخاص فقط من الجمهور قد حضر الافتتاح اما بقية الايام فلم يحضر احد، فتصور الاحباط الذي يصيب هؤلاء الفنانين، الم اقل ان فننا بلا جمهور لانه لايوجد عندنا ثقافة جمالية فنية منذ الصغر لذلك لايمكن ان نتذوق الجمال كما في العالم صدقني في معرضي الشخصي الاخير الذي اقمته في مدينة صغيرة في ولاية بينسلفانا حضر يوم الافتتاح 700 شخص ( وقد قامت زوجتي بتصوير حفل الافتتاح وانشاء الله ساعرضه في كوردستان في اقرب فرصة ) وددت ان استعرض مثالين لا اكثر لتعرف حجم الفرق والتميز بين مايسمى بفن وفنان كوردي وبين فن وفنان امريكي ***
C:\Documents and Settings\Sadradeen\Local Settings\Temporary Internet Files\Content.IE5\927JLQ21\AA46~1.MHT
***
C:\Documents and Settings\Sadradeen\Local Settings\Temporary Internet Files\Content.IE5\ARS6X9GC\-E3A2~1.MHT